<meta name="google-site-verification" content="4XN2SjXYk6LK9bqfiZoXeTd2r_847Kmu9bOlJezEu_A" />

الاقرار و تجزئته في الدعوى المدنية

الاقرار و تجزئته في الدعوى المدنية

يُلزم القانون المدعي بتقديم الدليل على دعواه، إلا إذا سلَّم خصمه بها أو ببعضها. وفي هذه الحالة، يُعفى المدعي من إقامة الدليل على ما اعترف به الخصم، ويلتزم المقِرُّ بما أقرَّ به. لا يجوز الرجوع عن الإقرار، ويصبح حُجّةً قاصرةً على من أقرَّ به، ويجب التسليم بما ادّعاه الخصم.

لقد ورد تعريف الإقرار وأحكامه وحُجّيته في قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 في المواد من 59 إلى 70. وقد عرّفت المادة 59 من هذا القانون الإقرار بأنه: "إخبار الخصم أمام المحكمة بحق عليه لآخر".

يتضح من هذا التعريف أن الإقرار هو شهادة الخصم على نفسه لمصلحة خصمه بصحة واقعة قانونية. ويُشترط أن يتم هذا الإقرار أثناء نظر الدعوى وأمام المحكمة التي تنظرها. الإقرار عمل إخباري، بمعنى أنه لا ينشئ حقوقًا، وإنما هو إخبار أو اعتراف بحدوث واقعة أو ثبوت حق قبل تاريخ الإقرار.

وجوب أن يكون الإقرار صريحًا

يرى البعض أن الإقرار يجب أن يكون صريحًا، أي ليس ضمنيًا تستخلصه المحكمة من سكوت الخصم؛ لأن الإقرار يستلزم الإخبار، ولا إخبار بالسكوت، باستثناء إشارة الأخرس المعهودة. أمّا إشارة الناطق بإشارته، فلا تُعتبر إقرارًا.

لقد استخلص المشرِّع العراقي في المادة 74 من قانون الإثبات قرينةً قضائيةً تساعد المحكمة على حسم الدعوى في حال تخلف الخصم عن استجوابه دون عذر مقبول، أو حضوره وامتناعه عن الإجابة لغير سبب أو مبرر قانوني، أو ادّعائه الجهل أو النسيان.

حُجّية الإقرار

بالاستناد إلى نصوص القانون العراقي المتعلقة بالإقرار، نجد أن الإقرار القضائي هو أعلى دليل في إثبات الحق غير المستقر، ويجعل الواقعة القانونية المُقرّ بها ثابتة يقينًا لا مفرّ منها ولا مجال لإنكارها. وهذا يُوجب على المقِر أن يرفع يده عن تلك الواقعة، مع التزامه بما يترتب في ذمته من آثار هذا الإقرار، وعليه أن يقوم بتأدية ما أقرَّ به وتسليمه إلى المقَرّ له، شاء أم أبى.

نطاق حُجّية الإقرار

يُقبل الإقرار كدليل في كل شيء تقريبًا: في الديون والعقارات والمواشي، وفي النفي والإبراء، وكذلك في مسائل الأسرة مثل الزواج والطلاق والنسب والميراث، وحتى في القضايا الجزائية كالتعدّي على الأشخاص أو الأموال.

الفرق بين الإقرار في الدعوى المدنية والاعتراف في الدعوى الجزائية

الذي يُميّز الإقرار القضائي عن الاعتراف هو أن الاعتراف هو "إقرار المتهم على نفسه بارتكاب الوقائع المكوّنة للجريمة كلها أو بعضها". وقد وردت كلمة (إقرار) في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 في المادة 218 وغيرها من مواد القانون.

عدم جواز تجزئة الإقرار

من أهم الأحكام المتعلقة بالإقرار هي عدم جواز تجزئته، حيث أورد المشرّع العراقي القاعدة العامة بعدم جواز تجزئة الإقرار في المادة (69) من قانون الإثبات رقم (107 لسنة 1979) المُعدَّل التي تنص على: "لا يُتجزّأ الإقرار على صاحبه إلا إذا انصبَّ على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتمًا وجود الوقائع الأخرى".

هذا النص الذي جاء به المشرّع العراقي ليس مبدأً جديدًا، وإنما استقر عليه الفقه القانوني. وتهدف هذه القاعدة بصورة أساسية إلى تلافي تغيير مراكز الخصوم في الدعوى فيما يتعلق بعبء الإثبات. فلو جزّأنا الإقرار وحمّلنا المقِر إثبات ما كان في مصلحته، فقد حمّلناه عبء الإثبات من غير حق؛ لأن المقَرّ له لم يقدّم دليلًا على وجود الحق المتنازع عليه لكي تجوز ما قاله المقِرّ دفعًا ونطلب منه إثباته. وبالتالي، فإن قاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار على المقِرّ منسجمة تمامًا مع القواعد العامة المتعلقة بعبء الإثبات.

يتضح أن الأصل في الإقرار بوجه عام هو عدم التجزئة حتى لا يُضار المقِر بإقراره. وتطبيق قاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار يتأثر بنوع الإقرار المراد تجزئته على النحو التالي:

الإقرار البسيط

هو الإقرار الذي يُسلّم فيه المقِرّ بكل ما ادّعاه الخصم. فإذا كانت دعوى المدعي تنصبُّ على مطالبة المدعى عليه بمبلغ معين، فإن المدعى عليه يُقرّ بانشغال ذمته بالمبلغ المطالب به كاملًا ويصادق على حلول أجله. وبالتالي، فإن هذا النوع من الإقرار لا يثير أي مشكلة، وإذا كان الإقرار بسيطًا وتطابق الطرفان على الشيء المدّعى به، فلا محل للنظر فيه.

الإقرار الموصوف

هو الإقرار بالواقعة المدّعى بها، لكن بصفة تجعل الإقرار مقيّدًا بمضمون هذا الوصف. على سبيل المثال، إذا أقرّ المدعى عليه بالدين ولكن أنكر الفائدة أو الشرط الجزائي، فهو إقرار موصوف، ويبقى معلّقًا على إثبات الفائدة أو الشرط الجزائي. وهنا، على الدائن إما أن يقبل الإقرار كله مع الوصف المتعلق به، أو أن يتركه كله. وليس له أن يطلب التجزئة فيه والأخذ بما يقتصر على الإقرار بالدين ويهمل الشق الآخر. وعليه، فإن القاضي لا يستطيع أن يحكم للمدعي بالمبلغ المقَرّ به، وإنما ينظر إلى الواقعة ذاتها. فإذا ثبتت بالإقرار بصفة قطعية، فيكون من الثابت قطعيًا أن المدعى عليه مدين بالمبلغ، أمّا الوصف المضاف، فإنه يُعتبر ثابتًا لمصلحة المقِر، ولكن للمدعي أن يُثبت عكسه بطرق الإثبات الجائزة قانونًا.

الإقرار المركّب

هنا نجد أن المقِر لا يقتصر على الاعتراف بالواقعة المدّعى بها، ولكنه يضيف إليها واقعة أخرى تعدّل منها أو تُعدم آثارها، وتكون الواقعة التي أضافها لاحقةً للواقعة المدّعى بها. فإذا أقرّ المدين بالدين موضوع الادّعاء، ولكنه دفع بالوفاء أو الإبراء، ففي هذه الحالة لا يجوز الأخذ بالإقرار فيما يتعلق بالدين وطرح واقعة الوفاء أو الإبراء جانبًا. إذ يجب على المقَرّ له في هذه الحالة إمّا أن يقبل الإقرار برمّته أو يطرحه كاملًا. وبالتالي، يجب عليه إثبات واقعة الدين بطرق الإثبات الجائزة قانونًا.

خلاصة

لتلخيص ما سبق، يتبين لنا أن الإقرار يحسم النزاع متى توافرت أركانه وشروطه، ومنها صدوره أمام المحكمة، وصراحته، وعدم قابليته للتجزئة. فهو يُعفي الخصم من عبء الإثبات، ويُلزم المقِر بما أقرّ به، سواء كان الإقرار بسيطًا أو موصوفًا أو مركّبًا، مع بقاء حق الطرف الآخر في دحضه بالطرق المقرّرة قانونًا.

يختلف الإقرار في المجال المدني عن الاعتراف الجزائي من حيث الموضوع والآثار، لكنه يظل أداةً حاسمةً متى استوفى الشروط التي حدّدها قانون الإثبات العراقي (المواد 59–70). لذلك، يبقى الإقرار ركيزةً أساسيةً لتحقيق العدالة وتوازن مراكز الخصوم، بشرط احترام قواعده وعلى رأسها قاعدة عدم التجزئة.

المصادر

  1. د. أحمد أبو الوفا، التعليق على نصوص قانون الإثبات، الطبعة الثانية، 1981، ص 723.

  2. د. أحمد فتحي، قانون أصول الإجراءات الجنائية، القاهرة، 1996، ص 696.

  3. القاضي لفته هامل العجيلي، شرح قانون الإثبات، مكتبة السنهوري، ص 180.

  4. القاضي محمد عبد علي شذان، موقف القضاء من قاعدة تجزئة الإقرار في الإثبات المدني، ص 21، دراسة قانونية مقارنة.

  5. قيس عبد الستار عثمان، الإقرار واستجواب الخصوم في الإثبات المدني، ص 317، دراسة مقارنة رسالة دكتوراه، كلية القانون جامعة بغداد، 1979م.

  6. القاضي مهدي صالح محمد أمين، أدلة القانون غير المباشرة، ص 88، بغداد، 1987.

  7. د. سليمان مرقس، ص 347.

تواصل معنا

إذا كنت تواجه تحديات قانونية أو تحتاج إلى رفع دعوى أو الدفاع عن حقوقك، فإن السعي للحصول على المساعدة من مكتب محاماة في العراق هو خطوة حاسمة لضمان حماية مصالحك. يمتلك المحامون المتخصصون في هذا المجال معرفة عميقة بقوانين الأدلة والإجراءات اللازمة لتقديم أدلة قوية.

يمكن أن تُحدث النصيحة القانونية المناسبة فرقًا كبيرًا في نتائج القضايا، لذا لا تتردد في التواصل مع فريق من المحامين ذوي الخبرة لمساعدتك في تعزيز موقفك القانوني. ستساعدك توجيهاتهم في فهم حقوقك وواجباتك، مما يتيح لك اتخاذ قرارات مدروسة تعزز فرص نجاحك في المحكمة.

© 2025 جميع الحقوق محفوظة - شركة أسامة طعمة للخدمات القانونية والإستشارات