رغم التشابه الكبير بين المصطلحين من الناحية اللغوية، إلا أن الفرق بينهما جوهري. فدعوى منع المعارضة تعدّ من دعاوى الملكية، في حين أن دعوى منع التعرض تُصنّف ضمن دعاوى الحيازة. ويشيع الخلط بين الدعويين في أروقة المحاكم إذ يُطلق أحيانًا إحداهما ويراد به الآخر. ومن هنا ارتأيت أن أكتب هذا المقال لتبسيط المفهومين وبيان الفروق بينهما، مع التطرّق إليهما من الجانبين الفقهي والإجرائي العملي.
دعوى منع المعارضة
هي إحدى دعاوى الملكية التي يقيمها المالك أو صاحب حق التصرف في الأراضي المملوكة للدولة، يطلب فيها المدّعي إثبات ملكيّته لحق عيني على عقار بيد المدّعى عليه، كدعوى ملكيّة العقار نفسه أو ملكيّة التصرف فيه أو ملكيّة السكن فيه أو ملكيّة الانتفاع فيه أو ملكيّة حق المساطحة. وهي تُسمّى دعوى الحق، ويجوز أن يكون المدّعى من الدعاوى تثبيت حق إن أُكر وجوده وإن لم تُتمّ عقبة في سبيل استعماله.
تُقام دعوى منع المعارضة على الغاصب، ويجب على المدّعي عند إقامة الدعوى تقدير المنفعة السنوية للعقار، وذلك لغرض استيفاء الرسم لها، لما له تأثير في اختلاف جهات الطعن، حيث إذا كانت المنفعة السنوية للعقار أكثر من مليون دينار عراقي يكون حكم محكمة البداءة قابلاً للطعن استئنافًا وتمييزًا، أما إذا كانت أقل من مليون دينار فيكون حكم محكمة البداءة قابلاً للطعن تمييزًا فقط، وذلك استنادًا للمادة 32 من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 وحسب التعديل الذي طرأ على القانون بموجب قانون تعديل قانون المرافعات رقم 10 لسنة 2016.
ولهذه الدعوى صور كثيرة، ومثال عليها هو قيام الغاصب بوضع يده والانتفاع بعقار الغير دون موافقته ومن دون وجه حق، أو قيام الزوجة المطلقة الممنوحة حق السكن لمدة ثلاث سنوات بدون بدل بحكم صادر من محكمة الأحوال الشخصية في دار مطلقها واستمرارها بالإشغال بعد انقضاء تلك المدة، حيث أنها في هذه الحالة تعد غاصبة لمنفعة العقار وتنتقل يدها من يد أمانة إلى يد ضمان، وغيرها من الصور.
إجراءات دعوى منع المعارضة
تقوم المحكمة، وبعد المناداة على الطرفين والمباشرة بالمرافعة الحضورية العلنية، بالاطلاع على صورة قيد العقار موضوع الدعوى المقدم من المدعي لغرض تثبيت محتواها سواءً كان المدعي مالكًا للعقار على وجه الاستقلال أم شريكًا فيه، أو له حق التصرف فيه.
تكلف المحكمة المدعي بيان ماهية المعارضة التي يدعيها في دعواه.
تكلف المدعى عليه بالإجابة على صحة الادعاء والوقوف على دفوعه التي يقدمها، وقد يقدم المدعى عليه دفعًا بأن إشغاله للعقار كان بإباحة من المدعي وبموافقة صريحة منه، وفي هذه الحالة لا تلتفت المحكمة لمثل هذا الدفع، وذلك لأن الإباحة تنتفي بمجرد المطالبة القضائية، ودلالة على فرض صحة ادعاء المدعى عليه بوجود الإباحة من الأساس.
تقوم المحكمة بتكليف المدعي بإثبات دعواه وتحدد موعدًا لإجراء المعاينة على العقار بصحبة خبير مساحة.
إذا أنكر المدعى عليه واقعة الغصب والإشغال للعقار موضوع الدعوى فيها تقوم المحكمة بتكليف المدعي بإثبات دعواه والاستماع للبينة الشخصية، وتبقى إجازة واقعة الغصب سلطة تقديرية للمحكمة.
أما إذا أقر المدعى عليه بصحة الأشغال ودفع بوجود عقد إيجار مع المدعي، فيُتم سؤال المدعي عن صحة العقد، فإذا أنكر عقد الإيجار فإن عبء إثبات وجود عقد الإيجار يقع على عاتق المدعى عليه وحينها يُكلف بالإثبات، وفي حال عجزه عن الإثبات يُمنح حق توجيه اليمين الحاسمة للمدعي.
ووفقًا لإجراءات الإثبات التي تقوم بها المحكمة تحكم إما بإجابة الادعاء والحكم بمنع المعارضة أو برد الدعوى لعدم ثبوت الادعاء.
دعوى منع التعرض
تناولت هذه الدعوى قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1951 في الفقرة الثانية من المادة 11 التي نصت على:
"دعوى منع التعرض وهي تقتضي حصول تعرض للحائز لم يبلغ حد نزع اليد"
كما نص عليها القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 في المادة 1154 والتي نصت على:
"من حاز عقاراً واستمر حائزاً له سنة كاملة ثم وقع له تعرض في حيازته، جاز له خلال سنة من وقوع التعرض أن يرفع الدعوى بمنع هذا التعرض أمام محكمة البداءة."
ودعوى منع التعرض هي الدعوى المثلى لحماية الحيازة باعتبار أنّها تحمي الحيازة الأصلية دون المرخصة، وتؤمّن رد الاعتداء الذي يحصل للحائز في حيازته سواء كان هذا التعرض مادياً أو قانونياً.
ولتحقق شروط دعوى منع التعرض، يلزم أن تكون حيازة المدعي للعقار حيازة قانونية تقوم على أساس الاستقرار والهدوء وخلوها من العيوب المتمثلة بوضع اليد على العقار إما بالإكراه أو بفعل مخالف للقانون. ويرى بعض الشُرّاح أن المحكمة في دعوى منع التعرض لا تبحث في سبب الحيازة إن كانت قانونية أم لا، وإنما تبحث في تحقق شرط الحيازة لمدة سنة فأكثر وأن تكون الحيازة مستقرة.
ويقع التعرض على العقار الذي بحوزة الحائز، وقد يكون مادياً مثل أن يقوم المتعرض بإحداث مجرى أو مشيدات على الأرض، أو قانونياً مثل قيام المتعرض بتوجيه إنذار للحائز عن طريق دائرة الكاتب العدل يتضمن مطالبته بإخلاء العقار بحجة ملكيته له.
كما يشترط أن لا تقل مدة الحيازة عن سنة واحدة قبل إقامة دعوى منع التعرض، وأن تكون حيازة مستقرة. ويجب إقامة الدعوى خلال سنة واحدة من تاريخ حصول التعرض، وهي مدة سقوط يسقط الحق بعدها في إقامة الدعوى، كما يجب ألا يبلغ التعرض حد نزع اليد من الحائز، لأن الحيازة إذا انتُزعت منه يجوز له إقامة دعوى استرداد الحيازة وفقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 11 من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969. ولا يُشترط أن يتضمن التعرض ضرراً فعلياً للحائز، فالعبرة في التعرض أن يكون الفعل متضمناً المنازعة في الحيازة ولو لم يحدث ضرر يستوجب التعويض.
الغاية من دعوى منع التعرض
تتعدد الغايات من هذه الدعوى منها حماية المصلحة العامة واستقرار المجتمع والنظام فيه، وذلك يقتضي منع الاعتداء على الأوضاع القائمة، ولو كان المعتدي هو في واقع الأمر صاحب الحق، ولا يعتبر إثبات الحيازة اعتداء على حق المالك، حيث يستطيع المالك إثبات ملكيته بطرق الإثبات المقررة في القانون.
وحيث إن الحيازة قرينة على الحق، إذ إن المشرع يفترض أن الحائز هو المالك، لأن الحائز غالباً ما يكون هو صاحب الحق، لذا أجاز له المشرع إقامة دعوى الحيازة لأنها سهلة الإثبات وقليلة التكاليف.
ويجب هنا الإشارة إلى قرار محكمة التمييز المرقم 73/حقوقية ثانية/1969 تاريخ القرار 29/12/1969، والذي نص على:
"التجاوز الواقع على مالك سجل في دائرة التسجيل العقاري معينة مساحة وحدوده بموجب خريطة رسمية يعد تجاوزاً لأن المتجاوز متعدياً وغاصباً مهما انقضت المدة على تجاوزه، لأن الغصب لا يكون مالكاً، ولأن التقادم في هذه الحالة لا يكسب الملكية، أما مرور الزمان المانع من سماع الدعوى فيسقط التمسك به إذا وقع على عقار غير مسجل في دائرة الطابو."
(انظر المادة 10 فقرة 1 من قانون التسجيل العقاري)
إجراءات دعوى منع التعرض
في اليوم المعين للمرافعة، على المحكمة التحقق من الشروط الواجب توفرها في دعوى منع التعرض المتمثلة بأن تكون حيازة الحائز للعقار هادئة ومستقرة، وألا تقل مدة الحيازة عن سنة كاملة، وألا يبلغ التعرض حد نزع اليد، وأن تقام الدعوى خلال سنة من تاريخ حدوث التعرض.
تكلف المحكمة المدعي بيان ماهية التعرض الذي يدعي بأنه قد أدى إلى تهديد حيازته.
وتكلف المدعى عليه بالإجابة على صحة الادعاء والوقوف على دفوعه التي يبديها من أجل مناقشتها وعرضها على المدعي.
في حال إنكار المدعى عليه، يكلف المدعي بإثبات حيازته للعقار ومدة الحيازة والسبب القانوني الذي يستند عليه في حيازته، وإثبات التعرض سواء كان التعرض مادياً أو قانونياً وتاريخ التعرض.
يجوز إثبات التعرض بكافة طرق الإثبات، ومنها الاستماع للبينة الشخصية موقعياً من خلال إجراء المعاينة بصحبة خبير مساحة الذي يُكلف بتقديم تقرير معزز برسم فني لمساحة العقار موضوع الدعوى.
وفي حالة الاستماع للبينات الشخصية التي أحضرها الطرفان، يتم ترجيح إحدى البينات وفقاً للمادة 82 من قانون الإثبات رقم 107 لسنة 1979 المعدل.
وعند اكتمال التحقيقات، تُصدر المحكمة حكمها المناسب إما بإجابة الدعوى أو بردها.
التمييز بين دعوى الملكية ودعوى الحيازة
هناك عدة نقاط جوهرية تمثل فرقاً بين دعاوى الملكية ودعاوى الحيازة وكالآتي:
- إن دعاوى الحيازة بأنواعها الثلاثة الوارد ذكرها في المادة 11 من قانون المرافعات المدنية يُشترط إقامتها خلال سنة واحدة تبدأ من تاريخ نزع الحيازة أو التعرض المادي أو القانوني أو البدء بالأعمال الجديدة، وأن تكون حيازة الحائز مستقرة هادئة لمدة سنة قبل وقوع التعرض، بخلاف ذلك لا تُسمع الدعوى وتُرد.
- أما دعوى الملكية فلا يسري عليها هذا الحكم ولا يسقط الحق بإقامتها وإن مضت تلك المدة.
- إذا خسر المدعي في الدعوى بالملكية فلا تسمع منه دعوى الحيازة، أما إذا خسر دعوى الحيازة فيجوز له أن يقيم دعوى الملكية وفقاً للفقرة الثانية من المادة 12 من قانون المرافعات المدنية.
- تختص محكمة البداءة بالنظر في دعاوى الملكية ذات القيمة التي تتجاوز مليون دينار، ويكون الحكم الصادر فيها قابلاً للطعن أمام محكمة الاستئناف خلال 15 يوماً والتمييز خلال 30 يوماً، بينما دعاوى الحيازة تُنظر بدرجة أخيرة ويُطعن فيها أمام الاستئناف بصفتها التمييزية خلال 30 يوماً.
الخلاصة
من خلال ما تقدم، يتضح أن دعوى منع المعارضة ترتبط بحماية الملكية وحقوق التصرف، في حين أن دعوى منع التعرض تتعلق بحماية الحيازة ورد الاعتداءات عليها. وعلى الرغم من التشابه اللفظي بين المصطلحين، فإن التكييف القانوني والإجراءات المتبعة لكل منهما تختلف باختلاف جوهرها.
إذ إن التمييز بينهما يسهم في وضوح الدعوى أمام القضاء، ويحدّ من الخلط الذي يقع فيه المتقاضون، الأمر الذي ينعكس إيجابياً على استقرار المعاملات العقارية وحماية الحقوق سواء كانت ضمن إطار الملكية أو الحيازة.
المراجع
- العجيلي، لفته شامل. أحكام دعاوى وحماية الحيازة: دراسة في ضوء أحكام القانون وآراء الفقه وتطبيقات القضاء، ص96.
- القاضي، منير. شرح قانون أصول المرافعات المدنية والتجارة، مكتبة القانون المقارن، ص44.
- البشير، محمد حلمي، وغني، طلحة. (1982). الحقوق العينية (الجزء الأول)، مطبعة جامعة بغداد، كلية القانون، ص200.
- أبو الوفا، أحمد. (1952). المرافعات المدنية والتجارية، دار المعارف، مصر.
- كاظم، حيدر عودة. (بدون سنة) الإجراءات العملية في الدعوى المدنية (الجزء الثاني)، ص523.
- العنكي، سامي حسن (مشرف)، سيف عباس (إعداد). أحكام دعوى منع التعرض ودعوى منع المعارضة قانوناً وقضاءً: بحث تخرج، المعهد القضائي.
- كاظم، حيدر عودة. الإجراءات العملية في الدعوى المدنية: دراسة مقارنة بالتطبيقات القضائية، ص388.
ندعو المهتمين بالشؤون القانونية والباحثين والجهات التشريعية إلى اتخاذ إجراءات عملية لتوضيح وتوحيد الفهم القانوني لدعوى منع المعارضة ودعوى منع التعرض في القانون العراقي، لما لهما من أهمية كبيرة في حماية الحقوق العقارية واستقرار المعاملات. كما ندعو شركات المحاماة في العراق إلى تعزيز وعي المجتمع القانوني والعمل على تبسيط الإجراءات وتقديم الدعم المهني في هذا المجال الحيوي.