<meta name="google-site-verification" content="4XN2SjXYk6LK9bqfiZoXeTd2r_847Kmu9bOlJezEu_A" />

عمال البناء في العراق: القانون رقم 18 وحقوق الاستثمار

عمال البناء في العراق: القانون رقم 18 وحقوق الاستثمار

يعد قطاع البناء والتشييد من القطاعات التي باتت تنمو بشكل متسارع بالسنوات الأخيرة في العراق، فبحسب البيان الصحفي المنشور على منصة غلوب نيوزواير (Glob newswire)[1]  المرموقة في مجال توزيع البيانات الصحفية فانه من المتوقع نمو قطاع البناء في العراق بنسبة 5.2% في عام 2025 مدفوعاً بالاستثمارات في النقل، الطاقة المتجددة والسياحة.

تهدف الحكومة العراقية إلى جذب 9.1 تريليون دينار عراقي (7 مليارات دولار) لتحفيز النمو الاقتصادي في عام 2025، وهو ما سيؤدي إلى المزيد من الاستثمارات في مشاريع البناء. اذ انشأ العراق في  آب/أغسطس 2023 صندوق تنمية العراق  لتسهيل إجراءات الاستثمار للشركات المحلية والأجنبية، خاصة في قطاعات السياحة، الصحة، البيئة، النقل العام، والزراعة الذكية.

وعلى المدى المتوسط، يتوقع أن يسجل قطاع البناء العراقي معدل نمو سنوي متوسط قدره 4.8٪ خلال الفترة 2026-2029، مدعوماً بالاستثمارات في الطاقة، البنى التحتية للمياه، فضلا عن جهود الحكومة لزيادة الطاقة الإنتاجية للنفط إلى أكثر من 6 ملايين برميل يومياً بحلول 2029 مقارنة بـ 4.5 ملايين برميل يومياً في 2024.

وعليه، يصبح من الضروري دراسة هذا القطاع ووضع الأطر القانونية التي تنظم عمله، بما في ذلك حماية حقوق عمال البناء المستخدمين (بشكل مؤقت)  وتأمين ظروف عملهم، بما يشمل التسجيل في الضمان الاجتماعي، الأجور العادلة، والتأمين الصحي، مع الحفاظ على حقوق المستثمرين والتصدي للعراقيل الإدارية والتحديات التي قد تواجه هذه المشاريع الرائدة عند تسجيلهم بالضمان. فعمال البناء يمثلون العمود الفقري لهذه المشاريع وركيزة أساسية للتنمية والإعمار المستدام في العراق.

سنطرح في هذه المقالة ثلاث أسئلة أساسية في هذا الاطار وسنجيب عليها تباعا، وهي كالاتي:

أ-ما هو رأي منظمة العمل الدولية؟

ب- ما هي أبرز الثغرات العملية في تطبيق النصوص على هذا القطاع؟

ج- هل يكفل قانون الضمان الاجتماعي شمول عمال البناء  وتوفير الحمايةً الكافية؟

 د- ما علاقة قانون الاستثمار كوسيلة لتنظيم علاقة العمل وضمان حقوق العمال؟

أ-ماهو رأي منظمة العمل الدولية

استناداً إلى تقرير منظمة العمل الدولية الصادر في آب/أغسطس 2025[2] بشأن تمديد مظلة الحماية الاجتماعية إلى العمال بالأجور اليومية في قطاع البناء في العراق، قدّمت المنظمة من خلاله تقييماً شاملاً لأوضاع هذه الفئة في ضوء قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للقطاع الخاص رقم (18) لسنة 2023، مسلطةً الضوء على أوجه القصور التشريعية والمؤسساتية التي ما زالت تحول دون تمتعهم بالحماية الكافية. وترى المنظمة أن العمال بالأجر اليومي يمثلون إحدى الفئات الأشد هشاشة في سوق العمل العراقي، إذ يشكلون نسبة مرتفعة من القوى العاملة في القطاع الخاص، ولا سيما في مجال البناء والتشييد، غير أنهم غالباً ما يعملون دون عقود رسمية وفي ظروف تفتقر إلى الاستقرار والأمان، مما يجعلهم خارج نطاق التطبيق الفعلي لأحكام القوانين العمالية والاجتماعية النافذة.

وتؤكد المنظمة أن العلاقة القانونية بين العامل وصاحب العمل في هذا القطاع تتسم بقدر كبير من المرونة وعدم الانتظام، حيث تُدفع الأجور على أساس يومي أو أسبوعي وتُحدَّد مدة العمل تبعاً لطبيعة المشروع أو الموسم، وهو ما يصعّب على العامل الانتظام في دفع الاشتراكات الشهرية التي يفترضها القانون الجديد القائم على الدخل الثابت والمساهمات المنتظمة. وتشير البيانات التي أوردها التقرير إلى أن أغلبية عمال البناء يتقاضون أجوراً متدنية للغاية، إذ لا يتجاوز متوسط الدخل الشهري 374 ألف دينار في العراق الاتحادي و309 آلاف دينار في إقليم كردستان، وهي أجور بالكاد تغطي الحد الأدنى للمعيشة، وتقل في كثير من الحالات عن الحد الأدنى للأجور المقرّر وطنياً البالغ (350,000) دينار. ومن ثمّ، فإن إلزام هؤلاء العمال بدفع نسبة (5%) من دخلهم الشهري كاشتراك في نظام الضمان الاجتماعي يشكل عبئاً مالياً يفوق طاقتهم، ويجعل المشاركة في النظام أمراً غير واقعي وغير مستدام.

ويشير التقرير إلى أن التطبيق الفعلي للقانون يواجه جملة من التحديات المؤسسية والإجرائية، من أبرزها ضعف الثقة بالجهات الحكومية، وتفشي البيروقراطية، ونقص المعلومات والوعي لدى العمال حول حقوقهم وآليات التسجيل، فضلاً عن غياب التنسيق بين الجهات المعنية بتطبيق أحكام القانون. كما ترى منظمة العمل الدولية أن النص الوارد في القانون بشأن الضمان الاختياري للعاملين في القطاع غير المنظم قد يخلق ثغرة قانونية تُستغل من بعض أصحاب العمل للتهرب من التسجيل الإلزامي لعمالهم، مستفيدين من المرونة الممنوحة للعمال غير النظاميين، وهو ما قد يؤدي إلى توسيع نطاق العمل غير الرسمي بدلاً من الحد منه.

وفي ختام تقريرها، تستنتج منظمة العمل الدولية أن إنفاذ قانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم (18) لسنة 2023 يُعد خطوة متقدمة نحو تطوير منظومة الحماية الاجتماعية في العراق، غير أنه لن يحقق أهدافه المرجوة ما لم يُصمَّم وينفَّذ بما يتلاءم مع واقع العمال غير النظاميين، وبخاصة عمال البناء بالأجر اليومي الذين يشكّلون العمود الفقري لقطاع الإنشاءات في البلاد. وتخلص المنظمة إلى أن معالجة أوضاع هذه الفئة تتطلب إصلاحاً تشريعياً ومؤسساتياً متكاملاً يضمن شمولهم بالضمان الاجتماعي على نحو مستدام ومنصف، وبما ينسجم مع معايير العمل الدولية ومبادئ العدالة الاجتماعية التي تشكّل جوهر فلسفة منظمة العمل الدولية في بناء مجتمعات أكثر مساواة واستقرار.

عمال البناء في العراق القانون رقم 18 وحقوق الاستثمار

ب- ما أبرز الثغرات العملية في تطبيق النصوص على هذا القطاع؟

على الرغم من وضوح النصوص القانونية التي نظمت شمول عمال البناء والتشييد بأحكام قانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم (18) لسنة 2023، إلا أن التطبيق العملي كشف عن جملة من الثغرات والإشكالات التي تواجه هذا القطاع. إذ أن غياب التعليمات التنفيذية الخاصة بطريقة احتساب أجور العمال المؤقتين واليوميين أدى إلى اختلاف في تفسير الجهات التنفيذية لكيفية احتساب الاشتراكات، مما تسبب بتباين في المعاملة بين المشاريع المشمولة بالرقابة.

 كما أن الطبيعة المتغيرة لأعمال البناء وصعوبة تثبيت مدة عمل العامل بدقة تجعل من الصعب تحديد فترات الشمول بدقة زمنية، مما يؤدي أحياناً إلى بقاء العمال مشمولين في النظام رغم انتهاء الحاجة الفعلية إليهم إضافةً إلى ذلك، فإن ربط رفع الشمول بكتب رسمية صادرة من الجهات المتعاقدة فقط، يفتح الباب أمام حالات من التأخير. كل ذلك يعكس حاجة ملحّة إلى إصدار تعليمات تفصيلية تتناسب مع خصوصية قطاع البناء، وتنظم آليات الشمول والرفع بصورة أكثر مرونة وعدالة.

ج-  هل يكفل قانون الضمان الاجتماعي شمول عمال البناء و توفير الحمايةً الكافية لهذه الفئة؟

للإجابة على هذا السؤال يجب ان نفرع الموضوع لفرعين، الأول يخص إشكالية تحديد الاشتراكات العمالية لعمال البناء، و الثاني هو إجراءات انهاء شمولهم بعد انجاز اعمال البناء.

1- طريقة تحديد الاشتراكات العمالية لعمال البناء

تحدد الفقرة أولا من المادة 3 من قانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم 18 لسنة 2023 النافذ على من تنفذ احكام هذا القانون اذ نصت على ما يلي: تسري احكام هذا القانون على العمال في القطاعات المختلط والخاص والتعاوني والعاملين لحسابهم الخاص والمشمولين باحكام قانون العمل والعاملين في دوائر الدولة والقطاع العام غير المثبتين على الملاك الدائم.

وبهذا يكون عمال البناء العاملين في مشاريع البناء المرتبطين بالعمل مشمولين باحكام التقاعد والضمان الاجتماعي بغض النظر عن نوع  الجهة المتعاقد لاطالما كان قطاع العمل خاص او تعاوني او مختلط او ربما يكونون موظفين في القطاع العام ولكن غير مثبتين على الملاك الدائم.

ونظرا لكون عمل عمال البناء والانشاءات يعد ذو طبيعة مؤقتة كما ان اجورهم بالغالب لا تحتسب شهريا فلقد سار العرف على ان تكون اجورهم يومية وذلك لينسجم مع طبيعة العمل ولغطية احتمالية عدم الحاجة لاي منهم فور انتهاء اعماله المحدد لذا فان ذلك يتطلب ان تكون احكام حساب اشتراكاتهم وانهاء شمولهم من المشاريع مؤطر باحكام خاصة تعنى بتنظيمه لتفادي الإشكالات والتعقيدات الإدارية التي قد تدخل بها المشاريع الاستثمارية عند تقدم نسب الإنجاز او تنفيذ المشروع بنسبة كاملة مما يستلزم بالضرورة عدم الحاجة لحجم العمال المستخدمين بداية للتشييد.

وفي هذا الاطار اشارت الفقرة رابعا المادة 15 من قانون التقاعد والضمان رقم 18 لسنة 2023 النافذ الى " تحدد طريقة احتساب الاجور واشتراك للمضمون من الاحداث ... والوقتيين والموسميين والعاملين لحسابهم الخاص والعاملين في العمل غير المنظم والحالات المماثلة الاخرى ، بتعليمات يصدرها الوزير بناء على اقتراح من مجلس ادارة الصندوق.

ونظرا لكون تعليمات قانون التقاعد والضمان الاجتماعي المرقم 18 لسنة 2023 لم تصدر لغاية كتابة هذا المقال فانه ولغرض التنظيم وسد الفراغ الاجرائي لهذه الحالة تلجئ دائرة التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال للسير على احكام قانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم 39 لسنة 1971 الذي نصت المادة 26 فقرة ج منه على "... اذا لم يكن اجر العامل شهريا، فتحسب اشتراكاته على اساس مجموع ما يتقاضاها فعليا من اجور خلال شهر كامل، مع عدم الاخلال باحكام الفقرة ا من هذه المادة."

وبهذا حددت طريقة حساب الاشتراكات الشهرية للعمال الذين يتقاضون اجورا يومية والتي غالبا ما يكونون عمال البناء والتشييد كذلك.

2- اجراءات انهاء شمول عمال البناء والتشييد بعد انجاز اعمال البناء

‌ان طبيعة اعمال البناء المؤقتة تستلزم بالضرورة انتهائها بعد الإنجاز مما يحتم اغلاق ملف الضمان الاجتماعي للعمال المسجلين في هذه المشاريع والتي تكون بصورة عقود تبرمها الشركة المنفذة مع الحكومة بصورة عقد استثماري.

ان اجراءات دائرة التقاعد والضمان الاجتماعي تسمح برفع عدد من العمال بعد تقدم نسب انجاز المشروع وانتفاء الحاجة لهم لكن هذا يجب ان يكون مصحوب بما يثبته من كتب صادرة من الجهات المتعاقد معها (الهيئة الوطنية للاستثمار على سبيل المثال) وعلى أساس نسب الإنجاز يكون اقتناع اللجان التفتيشية بتقليص عدد العمالة او حتى انهاء العقد بشكل نهائي ورفع جميع العمال اذا ما ثبت ان نسبة الإنجاز قد وصلت ل 100%.

د- ما علاقة قانون الاستثمار كوسيلة لتنظيم علاقة العمل وضمان حقوق العمال؟

يُعدّ من الأسباب الموجبة لصدور قانون الاستثمار رقم (13) لسنة 2006 المعدل بالقانونين رقم (2) لسنة 2010 ورقم (50) لسنة 2015، هو السعي لدفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتطويرها، وجلب الخبرات التقنية والعلمية، وتنمية الموارد البشرية، فضلاً عن توفير فرص عمل للعراقيين من خلال تشجيع الاستثمارات. وقد نصّت المادة (2) من القانون المذكور على جملة من الأهداف التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بموضوع البحث، إذ أشارت في فقرتها (ثالثاً) إلى ضرورة تنمية الموارد البشرية بما يتوافق مع متطلبات السوق وتوفير فرص عمل للعراقيين، وفي فقرتها (رابعاً) إلى أهمية حماية حقوق وممتلكات المستثمرين، وهو ما يعكس الحاجة إلى إيجاد توازن تشريعي وعملي بين مصالح المستثمرين وحقوق العمال، ولا سيما في مشاريع البناء الكبرى التي تُعدّ الركيزة الأساسية للتنمية الاقتصادية في العراق.

الخاتمة

يتضح من العرض المتقدم أن تنظيم شمول عمال البناء والتشييد بأحكام قانون التقاعد والضمان الاجتماعي يمثل محوراً أساسياً في تحقيق العدالة الاجتماعية وتكريس الحماية للعاملين في هذا القطاع الحيوي، الذي يشكل ركيزة مهمة في مشاريع التنمية والاستثمار. إلا أن التطبيق العملي للنصوص القانونية تتطلب معالجة عاجلة من خلال إصدار التعليمات التنفيذية الخاصة بقانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم (18) لسنة 2023، بما يضمن وضوح آليات احتساب الاشتراكات وإنهاء الشمول بصورة دقيقة ومنظمة. كما أن تحقيق التوازن بين حقوق العمال ومتطلبات المستثمرين يستوجب تنسيقاً مؤسسياً فعالاً بين دائرة التقاعد والضمان الاجتماعي وهيئة الاستثمار والجهات الرقابية الأخرى، لضمان بيئة عمل عادلة ومستقرة تسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العراق.

هل تبحث عن شركات محاماة في العراق يمكن الاعتماد عليها للمساعدة في عقود العمال، أو تراخيص الاستثمار، أو تدقيق الامتثال؟ شبكتنا القانونية جاهزة لدعم مشاريعك الإنشائية أو الاستثمارية من البداية حتى الإنجاز.
تواصل معنا ولنضع أساساً قانونياً متيناً لنجاح مشروعك.

© 2025 جميع الحقوق محفوظة - شركة أسامة طعمة للخدمات القانونية والإستشارات