<meta name="google-site-verification" content="4XN2SjXYk6LK9bqfiZoXeTd2r_847Kmu9bOlJezEu_A" />

توحيد الدعويين في القانون العراقي: التعريف والأساس القانوني

توحيد الدعويين في القانون العراقي: التعريف والأساس القانوني

يُعد توحيد الدعويين من الدفوع الإجرائية المهمة في الخصومة المدنية، لما له من دور في تجنّب تضارب الأحكام، وتكريس مبدأ وحدة الخصومة، وحسن سير العدالة. وقد أجاز المشرّع العراقي هذا الدفع، ووسّع نطاق إثارته من قبل الخصوم أو المحكمة من تلقاء نفسها، كلما تبيّن وجود ارتباط وثيق بين دعويين يستوجب جمعهما أمام محكمة واحدة.

التعريف والمفهوم

يُقصد بتوحيد الدعويين دفعٌ يثيره أي طرف في أي مرحلة من مراحل الدعوى، مفاده أنّ الدعوى المنظورة مرتبطة بدعوى أخرى بما يستلزم توحيدهما، كما للمحكمة أن تثيره تلقائيًا إذا استخلصت من أقوال الطرفين أنّ النزاع قائم ومثار بدعوى أخرى ومرتبط بها. وقد أشار إلى ذلك الفقه العراقي (سعدون ناجي القشطيني، شرح أحكام المرافعات، ج1، ط2، بغداد، مطبعة المعارف، 1976، ص242).

أما الارتباط (أو التلازم) فهو الصلة الوثيقة بين دعويين تجعل من المناسب، ومن حيث مقتضيات العدالة، جمعهما أمام محكمة واحدة للتحقيق والفصل معًا، منعًا لصدور أحكام متعارضة. وقد عرّفه بعض شراح قانون المرافعات بأنه الترابط بين أمرين على نحو يتعذر معه الفصل بينهما بما يقتضي معاملتهما معاملة واحدة (د. أحمد أبو الوفا).

الأساس القانوني

نصّت المادة 75 من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 على ما يلي:

إذا تبين للمحكمة أن للدعوى ارتباطًا بدعوى مقامة قبلاً بمحكمة أخرى فلها أن تقرر توحيد الدعويين وترسل أضبارة الدعوى إلى المحكمة الأخرى، والقرار الصادر من المحكمة الأخرى برفض التوحيد يكون قابلاً للتمييز.

يفيد النص أنّ سلطة التوحيد جوازية للمحكمة متى ثبت لديها الارتباط، وأن قرار رفض التوحيد الصادر من المحكمة المحال إليها قابل للتمييز.

الطبيعة القانونية للدفع

لم يُحسم فقهيًا ما إذا كان دفع توحيد الدعويين شكليًا أم موضوعيًا، إلا أنّ الراجح أنه دفع شكلي يجوز إثارته في أي مرحلة من مراحل الدعوى، لارتباطه بحسن إدارة الخصومة وتلافي تعارض الأحكام.

عدم تعلق الدفع بالنظام العام

لا يُعد دفع توحيد الدعويين من النظام العام، لأن النص جاء على سبيل التخيير لا الإلزام («إذا تبين للمحكمة»). وكل نص اختياري لا يُعتبر من النظام العام (لفته هامل العجيلي، شرح أحكام قانون المرافعات المدنية، ص203، بغداد، مكتبة السنهوري).

شروط تقديم الدفع

أولًا: الشروط العامة

طبقًا للمادة 8 من قانون المرافعات المدنية:

  • الفقرة (1): «الدفع هو الإتيان بدعوى من جانب المدعى عليه تدفع دعوى المدعي وتستلزم ردّها كُلًّا أو بعضًا».
  • الفقرة (2): «يراعى في الدفع ما يراعى في الدعوى من أحكام ويشترط أن يكون ذا صلة مباشرة بالدعوى الأصلية».

وعليه، تُشترط في الدفع ذات شروط الدعوى: الأهلية، والخصومة، والمصلحة.

ثانيًا: الشروط الخاصة

  1. توافر الارتباط (التلازم)
    أناط المشرّع تقدير الارتباط بالفقه واجتهاد القضاء. فقد قضت محكمة التمييز الاتحادية في قرارها المرقم 190/استئنافية/1969 في 5/1/1970 بأن المقصود بالارتباط هو اتحاد سبب الدعوى وموضوعها وأطرافها. بينما ذهب القاضي لفته هامل العجيلي إلى أنّ الارتباط الموجب للإحالة لا يشترط اتحاده في الخصوم والموضوع والسبب جميعًا، بل يكفي اتحاد أحدها. ومثاله: إقامة الزوج دعوى المطاوعة على زوجته، وإقامة الزوجة دعوى نفقة على الزوج؛ ففي هذه الحالة يجوز توحيد الدعويين.

وقد أيّد هذا الاتجاه قرار محكمة التمييز الاتحادية المرقم 5086/الهيئة الشخصية الأولى/2010 (نقلًا عن القاضي جبار علوان المختار):

«إن دعوى النفقة لها ارتباط وثيق مع دعوى المطاوعة مما يقتضي توحيدهما».

وكذلك القرار المرقم 496/شخصية/1981 في 8/4/1991 (نقلًا عن القاضي رحيم حسن العكيلي):

«يجب توحيد دعوى التفريق التي أقامها الزوج بسبب نشوز زوجته مع دعوى المهر المؤجل التي أقامتها الزوجة على زوجها لوجود ارتباط بين الدعويين».

ومع ذلك، قد تتحد الخصوم دون أن يتحقق الارتباط؛ إذ قضت محكمة التمييز في قرارها المرقم 166/شخصية أولى/2009 في 5/1/2009:

«لا ارتباط بين المهر ومطالبة الزوجة بأثاثها».

كما أن المحكمة، كأصل عام، غير ملزمة بتلبية طلب التوحيد، خاصة إذا كانت إحدى الدعويين قد قطعت شوطًا متقدمًا وأصبحت مهيأة للحسم، أو إذا بدا أن طلب التوحيد يرمي إلى المماطلة وإطالة أمد النزاع بسوء نية.

  1. أن تكون الدعويان قيد المرافعة
    يُشترط أن تكون الدعويان قائمتين فعلًا وكلتاهما قيد المرافعة (القاضي مدحت المحمود). فلا يجوز طلب التوحيد إذا صدر في إحدى الدعويين حكم حاسم أو أبطلِت أو استؤخرت أو تُركت للمراجعة، إلا بعد استئناف السير فيها وفق القانون. وقد قضت محكمة التمييز في قرارها المرقم 156/عقار/1967 في 17/12/1967:

«إن الدعوى المرقمة (…) كانت تجري فيها المحاكمة بالأصل بصورة غيابية، لذلك فمن المتعذر أن توحد معها الدعوى المرقمة (…) التي استأخرت بمواجهة الطرفين».

  1. وحدة درجة المحكمة والنظام القضائي
    يشترط أن تُنظر الدعويان أمام محكمتين من درجة واحدة وضمن نظام قضائي واحد. فلا يجوز توحيد دعوى منظورة أمام محكمة البداءة مع أخرى منظورة أمام محكمة الاستئناف بصفتها الأصلية، ولو اتحد السبب والخصوم. ويجوز عندئذٍ استئخار الدعوى أمام البداءة لحين صدور قرار الاستئناف.

  2. اختصاص المحكمة الموحَّد أمامها
    يجب أن تكون المحكمة التي تنظر الدعوى المقامة أولًا، والتي ستُوحَّد أمامها الدعويان، مختصةً وظيفيًا ونوعيًا بنظرهما معًا. فإن عدمت اختصاصها الوظيفي أو النوعي بأحدهما امتنع التوحيد، لمخالفته قواعد الاختصاص باعتبارها من النظام العام. أما الاختصاص المكاني، فإن لم يُعترض عليه قبل الدخول في أساس الدعوى ثبت اختصاص المحكمة.

  3. وحدة طرق ومدد وجهات الطعن
    يُشترط خضوع الدعويين المرتبطتين لطرق الطعن ومددها وجهاتها ذاتها. فإن أدّى التوحيد إلى تعدد طرق الطعن على الطلبات بين الدعويين الموحدتين تعذّر التوحيد. ومن أمثلته: إذا أقام المتعهد له بنقل ملكية عقار دعوى تملّك العقار، وأقام المتعهد دعوى منع معارضة وتسليم العقار خاليًا من الشواغر، مع اختلاف نظام الطعن بين الطلبين.

خاتمة

توحيد الدعويين آلية إجرائية تهدف إلى توحيد الخصومة ومنع تناقض الأحكام، وتقوم على تقدير المحكمة متى توافر الارتباط بمعاييره القضائية والفقهية. وهو دفعٌ شكليّ، غير متعلق بالنظام العام، يُثار في أي مرحلة، شريطة توافر شروطه العامة والخاصة، ولا سيما: قيام الدعويين، ووحدة الدرجة والنظام القضائي، وتحقق الاختصاص، واتحاد نظام الطعون. وبالالتزام بهذه الضوابط يتحقق حسن إدارة العدالة وتختصر الإجراءات دون الإخلال بحقوق الخصوم.

هل تواجه مسألة قانونية وتبحث عن محامي عراقي موثوق يحمي حقوقك؟ تواصل اليوم مع شركة أسامة طعمة للخدمات القانونية والإستشارات في العراق لحجز استشارة أولية والحصول على تقييم مهني لوضعك القانوني بسرية تامة وسرعة استجابة. فريقنا مستعد للإجابة عن استفساراتك وتقديم حلول عملية تستند إلى القانون والوقائع.

© 2025 جميع الحقوق محفوظة - شركة أسامة طعمة للخدمات القانونية والإستشارات