الأساس القانوني لمسؤولية المطلع عن استغلال المعلومات في الشركات المساهمة يمكن تكييفه ضمن أكثر من إطار قانوني في المسؤولية الجزائية أو المدنية، ويعتمد الفقه القانوني غالبًا على أساسين رئيسيين يبرران مساءلة المطلع عند تداول الأوراق المالية استنادًا إلى معلومة داخلية سرية.
الإخلال بالتزام قانوني ومخالفة نص تشريعي
يقوم هذا الأساس على وجود نص صريح يحظر على المطلع القيام بالتداول استنادًا إلى معلومات داخلية غير معلنة، وقد أرست تعليمات 2011 هذا الحظر بشكل واضح، كما أكد مشروع قانون 2019 الاتجاه ذاته، وبناءً على ذلك فإن قيام المطلع بالبيع أو الشراء قبل إعلان المعلومة يعد خرقًا لنص قانوني ملزم.
-
وجود نص تنظيمي نافذ يحظر التداول قبل الإفصاح
-
اعتبار البيع أو الشراء قبل الإعلان مخالفة مباشرة للحظر
-
ترتيب مسؤولية وفق طبيعة النص والعقوبة المقررة
الإخلال بواجب الأمانة وحسن النية
يرتكز الأساس الثاني لمسؤولية المطلع على طبيعة العلاقة بين المطلع والشركة أو المستثمرين الآخرين، باعتبار أن المطلع يوجد في موقع ائتماني يتطلب منه الأمانة والصدق وعدم استغلال الأسرار.
-
أعضاء مجلس الإدارة وكبار التنفيذيين مكلفون بواجبات ائتمانية تجاه الشركة والمساهمين
-
من أهم هذه الواجبات عدم تعارض المصالح وحفظ أسرار الشركة
-
استغلال المعلومة الداخلية لمصلحة شخصية يعني تقديم المصلحة الذاتية على مصلحة بقية المساهمين وخيانة الثقة
كما أن الموظف أو المستشار الذي يطلع على سر الشركة يكون ملزمًا تعاقديًا وأخلاقيًا بكتمانه وعدم استعماله بما يضر الشركة أو المستثمرين الآخرين، وبناءً على ذلك يعد تداول المطلع خرقًا لواجب الولاء والشفافية، ويترتب على الإخلال بهذا الواجب مسؤولية مدنية قد تصل إلى إلزام المطلع برد الأرباح التي جناها بسبب مخالفته.
ملكية المعلومات الداخلية ومبادئ حسن النية
يُلاحظ أن هذا النهج شائع في الأنظمة الأنجلو-أمريكية حيث تعتبر المعلومات الداخلية ملكية معنوية للشركة وأي انتفاع بها دون إذن يعد اختلاسًا لتلك الملكية، وفي العراق يمكن الاستناد إلى مبادئ حسن النية العامة في المعاملات المنصوص عليها في القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 لتكييف سلوك المطلع كعمل غير مشروع يمس العدالة والمساواة بين المتعاملين في السوق.
تكامل الأساسين في مساءلة المطلع
بشكل عام يتكامل الأساسان، فالمطلع عندما يتداول على معلومات غير معلنة فإنه يخالف نصًا تنظيميًا نافذًا وفي الوقت نفسه يخل بأمانة موقعه، مما يبرر مساءلته بالعقوبات المناسبة وينفي عن فعله طابع المشروعية لأنه يقوض الثقة والعدالة في السوق.
المسؤولية القانونية والمدنية عن تداول المطلعين
عند ثبوت قيام المطلع بالتداول بناءً على معلومة داخلية سرية تنشأ مسؤوليته على أكثر من صعيد، فإلى جانب المسؤولية الجزائية أو التأديبية التي قد تقررها القوانين من خلال التحقيق لدى هيئة الأوراق المالية وفرض الغرامات أو الإحالة إلى المحاكم الجزائية، تقوم أيضًا مسؤولية مدنية تجاه من لحقه ضرر نتيجة هذا الفعل.
أركان المسؤولية المدنية التقصيرية عن استغلال المعلومة الداخلية
لكي يطالب الطرف المتضرر بالتعويض يجب عليه إثبات أركان المسؤولية الثلاثة وفق القواعد العامة: الخطأ والضرر والعلاقة السببية.
الركن الأول: الخطأ
يتمثل الخطأ في قيام المطلع بعمل محظور، أي إخلاله بالتزام قانوني أو واجب مهني بعدم التداول على معلومات سرية، وقد يكون الخطأ عمديًا أو نتيجة إهمال جسيم، ويكفي إثبات أن المطلع تصرف على نحو يخالف سلوك الشخص الحريص المتبصر في مثل مركزه.
-
في المطلعين الرئيسيين قد يفترض الخطأ لمجرد التداول خلال فترة السرية لافتراض علمهم بالمعلومة وعدم جواز التصرف خلالها
-
في المطلع الثانوي يجب إثبات علمه بأن المعلومة غير معلنة وأنها جوهرية ثم استغلاله لها قبل نشرها
-
خرق واجب الكتمان واستغلال السر يعد خطأ تقصيريًا يستحق اللوم
الركن الثاني: الضرر
يتمثل الضرر في الخسارة المالية التي تلحق بالغير نتيجة تصرف المطلع غير المشروع، وقد يكون الضرر مباشرًا لشخص محدد أو أوسع أثرًا على السوق، لكن لرفع دعوى مدنية يجب أن يثبت المدعي أنه تكبد خسارة فعلية شخصية.
-
مثال ضرر مباشر: مساهم باع أسهمه للمطلع بثمن أقل مما كان سيحصل عليه لو أعلن الخبر الإيجابي
-
مثال ضرر مباشر: مستثمر اشترى سهمًا بسعر مرتفع قبل هبوطه عند كشف خبر سلبي
-
يشترط أن يكون الضرر محققًا لا مجرد احتمال نظري
وغالبًا ما يتجسد الضرر في فرق السعر الناتج عن جهل الطرف المتضرر بالمعلومة وقت الصفقة، كما قد يثار ضرر معنوي أو عام يتعلق بخلخلة العدالة في السوق، إلا أن التعويض في العادة يقتصر على الأضرار المالية المباشرة القابلة للتقييم.
الركن الثالث: العلاقة السببية
يجب إثبات أن تصرف المطلع هو الذي سبب الضرر، بمعنى أنه لولا تصرفه لما وقع الضرر، وقد تكون هذه المسألة معقدة في سوق الأوراق المالية لتعدد العوامل المؤثرة، إلا أنه في الصفقة المباشرة يمكن إظهار السببية بوضوح.
-
المستثمر لم يكن ليقدم على البيع أو الشراء بهذا السعر لو كان يعلم بالمعلومة التي يعرفها المطلع
-
كتمان المعلومة واستغلالها هو ما تسبب بالخسارة للطرف الآخر
وقد يدفع المطلع بوجود سبب أجنبي مستقل كالانهيار العام أو القوة القاهرة، أو بخطأ المضرور نفسه، فإذا ثبت السبب الأجنبي قد تنتفي المسؤولية أو تخف، أما إذا لم توجد عوامل أخرى فتقوم قرينة السببية عادة عند توافق الخطأ والضرر زمنيًا.
أثر ثبوت المسؤولية المدنية
إذا ثبتت أركان المسؤولية يحكم على المطلع بتعويض المتضرر تعويضًا كاملًا عن خسارته، ويقدر القاضي التعويض غالبًا بناءً على فرق السعر أو الفرصة الضائعة، كما قد يلزم المطلع برد الأرباح التي حققها نتيجة المخالفة إلى الشركة.
الخاتمة
الأساس القانوني لمسؤولية المطلع عن استغلال المعلومات يقوم على مخالفة النصوص التنظيمية التي تحظر التداول قبل الإفصاح، وعلى الإخلال بواجب الأمانة وحسن النية بوصف المطلع في موقع ائتماني تجاه الشركة والمساهمين، كما أن المسؤولية القانونية والمدنية عن تداول المطلعين في العراق تتطلب إثبات الخطأ والضرر والعلاقة السببية مع إمكانية الحكم بالتعويض وفرق السعر ورد الأرباح، ويؤكد التنظيم العراقي أهمية الإفصاح الإلزامي وحظر الاستغلال المبكر لتعزيز الثقة والعدالة في سوق الأوراق المالية مع استمرار الحاجة للتوعية والرقابة.
إذا كنت شركة مدرجة أو عضو مجلس إدارة أو مديرًا تنفيذيًا أو مدققًا أو وسيطًا أو مستثمرًا وتحتاج إلى تقييم قانوني لمسؤولية المطلع عن استغلال المعلومات أو إعداد سياسات امتثال وإفصاح داخلية أو متابعة حالة تسريب أو تداول قبل الإعلان، فتواصل مع شركة أسامة طعمة للخدمات القانونية والإستشارات، وهي شركة محاماة في بغداد تقدم دعمًا قانونيًا متخصصًا في الأوراق المالية وحوكمة الشركات والتحقيق في تداولات المطلعين وحماية حقوق المتضررين.